الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فَمَنْ ابْتَاعَ كَذَلِكَ رُطَبًا لِلأَكْلِ ثُمَّ مَاتَ فَوُرِثَتْ عَنْهُ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ اسْتَغْنَى عَنْ أَكْلِهَا إِلاَّ أَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَكْلَهَا بِلاَ شَكٍّ، فَقَدْ مَلَكَ الرُّطَبَ مِلْكًا صَحِيحًا، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ حُكْمُ الْعَرَايَا الْمَذْكُورُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَ ثِمَارِ النَّخْلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ سِوَى ثَمَرِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا أَصْلاً، لاَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَلاَ مَجْمُوعَةٍ فِي الأَرْضِ أَصْلاً. وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً، لاَ مَجْمُوعًا، وَلاَ فِي عُودِهِ، وَلاَ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ: أَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلاً، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَتْ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ.
فَإِنْ كَانَ ثَمَرُ مَا عَدَا ثَمَرِ النَّخْلِ جَازَ أَنْ يُبَاعَ بِيَابِسٍ وَرُطَبٍ مِنْ صِنْفِهِ، وَمِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ وَمِثْلِهِ، وَأَنْ يُسَلَّمَ فِي جِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِخَرْصِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ زَبِيبًا كَيْلاً بِعِنَبٍ؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قلنا: أَمَّا أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ، فَإِنَّ مَالِكًا، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ رَوَيَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدٍ، وقال مالك مَرَّةً: زِيَادَةُ أَبِي عَيَّاشٍ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلَّةً لِغَيْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَحْدَهُ؛ لأََنَّهُ كَانَ يَكُونُ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، أَمَّا السِّنُّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ. فَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَلاَ يَرَوْنَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةً لِمَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُذَكَّى بِهِ، وَلاَ يَرَى الشَّافِعِيُّونَ كَوْنَ الَّذِي يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ عِلَّةً فِي مَنْعِ الذَّكَاةِ بِهِ إِلاَّ فِي الظُّفُرِ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ عِلَّةً فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ فَلاَ يَصِحُّ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ أَثَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لاَ يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الآخِذِينَ بِكُلِّ ضَعِيفٍ، وَمُرْسَلٍ، كَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ هَذَا الْمُرْسَلَ وَهَذَا الضَّعِيفَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْمُدَّعِينَ الأَخْذَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَدْ خَالَفُوهُ، لأََنَّهُمْ يُبِيحُونَ بَيْعَ الرُّطَبِ مِنْ التَّمْرِ، وَالتِّينِ، وَالْعِنَبِ، بِالْيَابِسِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَهَذَا خِلاَفٌ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. قلنا: وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: إنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا كَانَ فِي رُءُوسِ أَشْجَارِهِ فَقَطْ وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى بِدَعْوَى بِلاَ برهان وَحَسْبُنَا اللَّهِ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، فَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ وَالْمُزَابَنَةُ فِي النَّخْلِ. هَذَا نَصُّ لَفْظِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا؛ لأََنَّهُ لَمْ يَرَ الْمُزَابَنَةَ إِلاَّ فِي النَّخْلِ وَحْدَهُ، لاَ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَتْ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ. قال أبو محمد: لاَ مُزَابَنَةَ إِلاَّ مَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، بَعْدَهُ أَنَّهُ مُزَابَنَةٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ وَخَطَأٌ مُتَيَقَّنٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فإن قال قائل: فَأَنْتُمْ الْمُنْتَمُونَ إلَى الأَخْذِ بِمَا صَحَّ مِنْ الآثَارِ وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلاَّ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ. وَرَوَيْتُمُوهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: نَعَمْ؛ لأََنَّ الثِّمَارَ كُلَّهَا إذَا يَبِسَتْ حُدَّتْ أَوْ لَمْ تُجَدَّ فَهِيَ ثِمَارٌ قَدْ طَابَتْ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي اللُّغَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، كَيْلاً بِكَيْلٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ صِنْفِهِ كَيْفَ شِئْنَا. فَصَحَّ النَّصُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ بِمَا شِئْنَا مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ، فَكَانَ مَا فِي هَذَا مُضَافًا إلَى مَا فِي خَبَرِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَزَائِدًا عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ: لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ إذَا طَابَ إِلاَّ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَبِمَا شِئْتُمْ، حَاشَا مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ طِيبِهَا حُكْمُهَا فِيمَا يُبَاعُ مِمَّا يَجُوزُ حُكْمُ التَّمْرِ، وَهَذَا برهان صَحِيحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
الرِّبَا: وَالرِّبَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ سَلَمٍ، وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ لأََنَّهُ لَمْ تَأْتِ النُّصُوصُ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا فُصِّلَ تَحْرِيمُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالرِّبَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ إِلاَّ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ: فِي التَّمْرِ، وَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَهُوَ فِي الْقَرْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلاَ يَحِلُّ إقْرَاضُ شَيْءٍ لِيُرَدَّ إلَيْك أَقَلَّ، وَلاَ أَكْثَرَ، وَلاَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ أَصْلاً، لَكِنْ مِثْلُ مَا أَقْرَضْت فِي نَوْعِهِ وَمِقْدَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْقَرْضِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَبَيْنَ الْقَرْضِ، هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَمَ: يَكُونَانِ فِي نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَفِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ، وَلاَ يَكُونُ الْقَرْضُ إِلاَّ فِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِي الأَنْوَاعِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، فَهُوَ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَمَا عَدَا الأَنْوَاعَ الْمَذْكُورَةَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، أَيَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَمْ لاَ وَالرِّبَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ. قال أبو محمد: فَإِذَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَوَاجِبٌ طَلَبُ مَعْرِفَتِهِ لِيُجْتَنَبَ، وَقَالَ تَعَالَى فَصَحَّ أَنَّ مَا فَصَّلَ لَنَا بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام مِنْ الرِّبَا، أَوْ مِنْ الْحَرَامِ، فَهُوَ رِبًا وَحَرَامٌ، وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ، لأََنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَنَا، وَلاَ بَيَّنَهُ رَسُولُهُ عليه السلام لَكَانَ تَعَالَى كَاذِبًا فِي قوله تعالى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْحِمَّصِ بِالْعَدَسِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ صَاحِبَهُ بِاللَّوْنِ، وَالطَّعْمِ، فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ شَبَهَ الطَّعَامِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، مِثْلُهُ. قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ فَسَقَطَ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ وَالرَّأْيُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ خَطَأٌ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالتُّفَّاحَتَيْنِ بِالتُّفَّاحَةِ، وَالْخَوْخُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ، وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ، وَالرِّبَا يَقَعُ فِيهِ بِالنَّصِّ، فَبَطَلَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا يَعْجَزُ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ فِي هَذَا عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، بِزِيَادَتِهِمْ فِي عِلَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: عِلَّةُ الرِّبَا الطَّعْمُ، وَالتَّثْمِينُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: عِلَّةُ الرِّبَا الأَدِّخَارُ فِيمَا يُؤْكَلُ، وَالتَّثْمِينُ. فَهَلْ هَذَا إِلاَّ كَقَوْلِ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ: عِلَّةُ الرِّبَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمِلْحِيَّةُ وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى كَدَعْوَى كِلاَهُمَا بِلاَ برهان وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ اشْتَرَى خَمْسَةَ عَشَرَ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ بِعَشَرَةِ أَجْرِبَةٍ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَلاَ نَدْرِي مَا عِلَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا الْجِنْسُ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَائِنًا مَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إِلاَّ أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ غَيْرُهَا أَصَحَّ مِنْهَا، وَلاَ هِيَ بِأَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ الرِّبَا تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْجِنْسَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَعَمُّ الْعِلَلِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِالْعِلَّةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَقُولَ بِهَا وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الأَقْتِيَاتُ، وَالأَدِّخَارُ فِي الْجِنْسِ، فَمَا كَانَ يُدَّخَرُ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا فِي الأَكْلِ، فَالرِّبَا فِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، وَمَا كَانَ لاَ يُقْتَاتُ، وَلاَ يُدَّخَرُ، فَلاَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَغِبَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ؛ لأََنَّهُمْ وَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ الثُّومَ، أَوْ الْبَصَلَ، وَالْكُرَّاثَ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْكُزْبَرَةَ، وَالْخَلَّ، وَالْفُلْفُلَ نَعَمْ، وَالْمِلْحُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ قُوتًا أَصْلاً، بَلْ بَعْضُهُ يَقْتُلُ إذَا أُكِلَ مِنْهُ نِصْفُ وَزْنِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَتَقَوَّتُ بِهِ، كَالْمِلْحِ، وَالْفُلْفُلِ، فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَكَلَ رِطْلَ فُلْفُلٍ فِي جِلْسَةٍ لَقَتَلَهُ بِلاَ شَكٍّ، وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ، وَالْخَلُّ الْحَاذِقُ، وَكَذَلِكَ الثُّومُ وَوَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي اللَّبَنِ، وَالْبَيْضِ، فَإِنَّهُمَا لاَ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُمَا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ فِيهِمَا، وَوَجَدُوهَا أَيْضًا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَمُّونِ، وَالشُّونِيزِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالْكُزْبَرَةِ، وَالْكَرَوْيَا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قُوتًا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا هَذِهِ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ، وَهِيَ عِلَّةُ مَنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ اطَّرَحُوهَا، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ فِي اسْتِخْرَاجِ غَيْرِهَا بِآرَائِهِمْ لِتَسْتَقِيمَ لَهُمْ آرَاؤُهُمْ فِي الْفُتْيَا عَلَيْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى الْقُوتِ، وَهُوَ الْبُرُّ، وَأَدْوَنَ الْقُوتِ، وَهُوَ الْمِلْحُ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِمَا. قال أبو محمد: هَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَرَّدٌ بِلاَ كُلْفَةٍ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مُسْلِمٍ لأَِطْلاَقِ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَطْلَقَ هَذَا الْمُطْلِقُ مِثْلَهُ عَلَى سَائِسِ حِمَارِهِ بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ لَكَانَ كَاذِبًا مُجَرَّحًا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى نَبِيِّهِ عليه السلام اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِك فِي تَنْفِيرِنَا عَنْ مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ. ثُمَّ لَمْ يَرْضَ سَائِرُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا: لَيْسَ الْمِلْحُ دُونَ الأَقْوَاتِ، بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى الثُّومِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالشُّونِيزِ، فَارْتَادُوا غَيْرَهَا، كَمَنْ يَتَحَكَّمُ فِي بَيْدَرِ تَمْرِهِ، وَيَأْخُذُ مَا اُسْتُحْسِنَ وَيَتْرُكُ مَا لَمْ يُسْتَحْسَنْ. فَقَالُوا: الْعِلَّةُ فِي الرِّبَا مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا الأَقْتِيَاتُ، وَالأَدِّخَارُ، كَمَا قَالَ أَسْلاَفُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَمِنْهَا الْحَلاَوَةُ، وَالأَدِّخَارُ، كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ، وَالْعَسَلِ قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ وَمِنْهَا التَّأَدُّمُ، وَالأَدِّخَارُ قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ اسْتَصْنَعَهُ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الأَبْهَرِيُّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ؛ لأََنَّ السَّلْجَمَ وَالْبَاذِنْجَانَ، وَالْقَرْعَ، وَالْكُرُنْبَ، وَالرِّجْلَةَ، وَالْقِطْفَ، وَالسَّلْقَ، وَالْجَزَرَ، وَالْقُنَّبِيطَ، واليربز إدَامُ النَّاسِ فِي الأَغْلَبِ. وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَّخَرُ، وَلاَ يَقَعُ الرِّبَا فِيهِ عِنْدَهُمْ: كَاللُّفْتِ، وَالْجَزَرِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَاطَّرَحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَلَمْ تُعْجِبْهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَزَادَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ: وَمِنْهَا الْحَلاَوَةُ، وَالأَدِّخَارُ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ فَلَمْ يَرْضَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالَ: لَيْسَتْ بِشَيْءٍ؛ لأََنَّ الْفُلْفُلَ، وَالثُّومَ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونَ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ، وَلاَ يَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلاَ يُتَأَدَّمُ بِهِ، وَلاَ هُوَ حُلْوٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعُنَّابَ وَالْإِجَّاصَ الْمُزَبَّبَ، وَالْكُمَّثْرَى الْمُزَبَّبَ والمخيطاء كُلُّهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلاَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ عِنْدَهُمْ فَاحْتَاجَ إلَى اسْتِعْمَالِ عِلَّةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: الْعِلَّةُ هِيَ الأَقْتِيَاتُ، وَالأَدِّخَارُ، وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ الْمُتَقَوَّتُ بِهِ لِيَصِحَّ لَهُ فِيمَا ظَنَّ إدْخَالُ: الْكَمُّونِ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْخَلِّ، فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ؛ لأََنَّ الطَّعَامَ يَصْلُحُ بِكُلِّ ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَفْسَدُ الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاسِدَةً، وَاضِحَةَ الْبُرْهَانِ، برهان ذَلِكَ: أَنَّ إصْلاَحَ الطَّعَامِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ، وَالْخَلِّ، لاَ يُشْبِهُ إصْلاَحُهُ بِالْمِلْحِ أَصْلاً؛ لأََنَّ الطَّعَامَ الْمَطْبُوخَ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ أَصْلاً، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، إِلاَّ مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ خَافَهُ، وَأَمَّا إصْلاَحُهُ بِالتَّابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا بِالطَّعَامِ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ إِلاَّ عَنْ بَذَخٍ وَأَشِرٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ فِي الْعَالَمِ يَدْرِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ أَنَّ إصْلاَحَ الطَّعَامِ بِالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْكُزْبَرِ، وَالشُّونِيزِ، كَإِصْلاَحِهِ بِالدَّارَصِينِيِّ، وَالْخُولَنْجَانِ، وَالْقِرْفَةِ، وَالسُّنْبُلِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَلاَ فَرْقَ، بَلْ إصْلاَحُهُ بِهَذِهِ أَطْيَبُ لَهُ وَأَعْبَقُ، وَأَصْلَحُ مِنْهُ بِتِلْكَ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لاَ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ، وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي إصْلاَحِ الطَّعَامِ بِالْمَاءِ أَشَدُّ وَأَمَسُّ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لاَ يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ بِالْمَاءِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ عِلَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا ذَكَرَ بَعْضَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَذَكَرَ سَائِرَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ فِي كُتُبِهِمْ مُفَرَّقَةً وَمَجْمُوعَةً. قال أبو محمد: وَكُلُّهَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخَاذُلِ، وَبِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ عِلَّةُ الرِّبَا مَا كَانَ ذَا سُنْبُلٍ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَمَا كَانَ ذَا نَوًى قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ، وَمَا كَانَ طَعْمُهُ مِلْحِيًّا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَمَا كَانَ مَعْدِنِيًّا قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ. قلنا: وَلاَ قَالَ بِعِلَلِكُمْ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ. فإن قال قائل: هَذِهِ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَكُمْ، وَأَيْضًا: فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَكُمْ أَنْ تُعَلِّلُوا الْبُرَّ، وَالشَّعِيرَ، وَالتَّمْرَ، وَالْمِلْحَ، وَلاَ تُعَلِّلُونَ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَكُلُّهَا جَاءَ النَّصُّ بِهِ سَوَاءً، فَمِنْ أَيْنَ هَذَا التَّحَكُّمُ يَا هَؤُلاَءِ وَهَلْ هَذَا إِلاَّ شَبَهُ اللَّعِبِ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ دَعْوَى إجْمَاعٍ، فَقَدْ عَلَّلَ الْحَنَفِيُّونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ، وَعَلَّلُوا الأَصْنَافَ الأَرْبَعَةَ بِالْكَيْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَلِّلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، أَوْ تَرْكِ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالأَقْتِصَارِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً. وَقَدْ أَجْهَدْنَا أَنْفُسَنَا فِي أَنْ نَجِدَ لِنُظَّارِهِمْ شَيْئًا يُقَوُّونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعِلَلِ يُمْكِنُ إيرَادُهُ وَإِنْ كَالَ شَغَبًا فَمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ لَهُمْ شَيْئًا نُورِدُهُ وَإِنْ لَمْ يُورِدُوهُ كَمَا نَفْعَلُ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ خَالَفَنَا، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَنْتَبِهُوا لَهُ فَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مُنْتَبِهٌ فَيَشْغَبَ بِهِ، فَمَا قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِمَالِكٍ فِي تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي عَلَيْهِ بَنَى أَقْوَالَهُ فِي الرِّبَا سَلَفًا أَلْبَتَّةَ، لاَ مِنْ صَاحِبٍ؛، وَلاَ مِنْ تَابِعٍ، وَلاَ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَهُمْ تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الرِّبَا، فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَمْ نَذْكُرْهَا هَهُنَا؛ لأََنَّهُ كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ، لَكِنْ يَكْفِي مِنْ إيرَادِهَا: أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ ذِي فَهْمٍ كَيْفَ تَكُونُ أَقْوَالٌ بُنِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَفُرُوعٌ أُنْشِئَتْ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: أَبُو ثَوْرٍ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَالنَّيْسَابُورِيّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالتَّثْمِينُ فَمَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، أَوْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، لَمْ يَجُزْ مِنْهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ، لاَ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ نَسِيئَةً، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِمَّا لاَ يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ، فَلاَ رِبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَالتَّفَاضُلُ فِيهِ جَائِزٌ، فَأَجَازُوا الْأُتْرُجَّ فِي الْأُتْرُجِّ مُتَفَاضِلاً نَسِيئَةً. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لاَ يُوزَنُ، وَلاَ يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ، وَلاَ فِضَّةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ فِي مُوَطَّئِهِ، وَلاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ سَعِيدٍ، وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ. وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا. قال أبو محمد: وَدَعْوَاهُمْ هَهُنَا بَاطِلٌ؛ لأََنَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَفِيهِمْ الْجِنُّ، وَالْإِنْسُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرْوَ فِيهَا قَوْلٌ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً أَكْثَرُهَا بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ، وَلاَ عَنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلاً، عَلَى اخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، فَكَيْفَ وَالْخِلاَفُ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ لأََنَّ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لاَ يَرَوْنَ الرِّبَا فِي الْمَاءِ، وَلاَ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا. فَلاَ يَرَوْنَ الرِّبَا فِي: التُّفَّاحِ، وَلاَ فِي الْعُنَّابِ، وَلاَ فِي حَبِّ الْقَنْبِ، وَلاَ فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ، وَلاَ فِي الْكُرُنْبِ، وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّهُ يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ وَيُؤْكَلُ فَبَطَلَ هَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَكْذُوبُ. وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً، وَلاَ قَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَأْتِيَ لَهُمْ بِغَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، وَالتَّثْمِينُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، فَمَا كَانَ يُؤْكَلُ، وَيُشْرَبُ، فَلاَ يَجُوزُ مُتَفَاضِلاً أَصْلاً، وَلاَ بِنَسِيئَةٍ أَصْلاً، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ نَقْدًا فَقَطْ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ: جَازَ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ نَقْدًا، وَلَمْ يَجُزْ فِيهِمَا النَّسِيئَةُ. وَمَا كَانَ لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، فَالتَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ، وَالنَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ: جَائِزٌ فِيهِ جِنْسًا كَانَ أَوْ جِنْسَيْنِ فَأَجَازَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ، وَلاَ فِضَّةٌ. وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِ رِطْلٍ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْ سَقَمُونْيَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُتَدَاوَى بِهِ؛ لأََنَّهُ يُطْعَمُ عَلَى وَجْهٍ مَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الآخَرُ، وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ أَصْحَابُهُ، وَإِيَّاهُ يَنْصُرُونَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد: هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ قَالَ " كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَحَرَّفَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ مِمَّنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَدِيثِ، وَلاَ وَرَعَ لَهُ يَحْجِزُهُ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ، وَلاَ جَاءَ عَنْهُ وَبِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَأَطْلَقَهُ إطْلاَقًا بِلاَ إسْنَادٍ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُبَاعُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ، وَتَعَمُّدٌ لِوَضْعِ الْحَدِيثِ، إنْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً مِنْ جَاهِلٍ، وَمَا جَاءَ هَكَذَا قَطُّ، وَلاَ يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ عَنْهُ مِثْلاً بِأَكْثَرَ، وَلاَ إبَاحَتُهُ، إنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ". وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَةَ " الطَّعَامِ " لاَ تُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَمْ يَقَعْ اسْمُ الطَّعَامِ إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ مُوجِبًا عِنْدَكُمْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلٍ بِمِثْلٍ، فَاجْعَلُوا، وَلاَ بُدَّ اقْتِصَارَهُ عليه السلام عَلَى ذِكْرِ الأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَاهَا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. فَإِنْ قَالُوا: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ قلنا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ إنْ كُنْتُمْ تَتَّعِدُونَ بِاسْمِ الطَّعَامِ إلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ، فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ: لاَ يَجُوزُ تُفَّاحَةٌ بِتُفَّاحَةٍ إِلاَّ حِينَ يُوقَنُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ، وَلاَ الْخُضَرُ بِالْخُضَرِ إِلاَّ حِينَ يُوقَنُ أَيُّهَا أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَعَدَّى بِلَفْظَةِ الطَّعَامِ الْبُرُّ، فَفِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ بُرٍّ فَاضِلٍ بِأَدْنَى، وَفَاضِلٍ وَأَدْنَى بِمُتَوَسِّطٍ إذَا تَمَاثَلَتْ فِي الْكَيْلِ. وَأَيْضًا: فَلاَ يُطْلِقُ عَرَبِيٌّ، وَلاَ مُسْتَعْرِبٌ عَلَى السَّقَمُونْيَا اسْمَ طَعَامٍ لاَ بِإِطْلاَقٍ، وَلاَ بِإِضَافَةٍ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تُؤْكَلُ فِي الأَدْوِيَةِ. قلنا: وَالصَّنْدَلُ قَدْ يُؤْكَلُ فِي الأَدْوِيَةِ، وَالطِّينُ الأَرْمِينِيُّ، وَالأَحْمَرُ، وَالطَّفْلُ كَذَلِكَ، وَالسَّبَدُ، وَاللُّؤْلُؤُ، وَحَجَرُ الْيَهُودِ كَذَلِكَ، فَأَوْقَعُوا الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا، نَعَمْ، وَفِي النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ أَظْفَارَهُ، وَشَعْرَ لِحْيَتِهِ، وَالرَّقَّ، أَكْلاً ذَرِيعًا، فَأَوْقَعُوهَا فِي الطَّعَامِ، وَأَدْخَلُوا الرِّبَا فِيهَا؛ لأََنَّهُمَا قَدْ يُؤْكَلاَنِ أَيْضًا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا مُخْتَلِفًا فَتَبَايَعْنَاهُ بَيْنَنَا بِزِيَادَةٍ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَهُ إِلاَّ كَيْلاً بِكَيْلٍ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَلاَ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ مِنْ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى. فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا؛ لأََنَّ اسْمَ " الطَّعَامِ " لاَ يَقَعُ كَمَا. قلنا عِنْدَ الْعَرَبِ مُطْلَقًا إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ فَقَطْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ آنِفًا. فإن قيل: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ مُخَالِفَانِ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَةً إنْ حَمَلاَهُمَا عَلَى أَنَّ " الطَّعَامَ " وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مُبْطِلاَنِ لِقَوْلِهِمَا فِي الرِّبَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَكَمَا قلنا، وَيَبْطُلُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ ابْنِ فُضَيْلٍ: قُتَيْبَةُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " قَالَ: قَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَذَهَبْنَا نَتَزَايَدُ فِيهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا كَيْلاً بِكَيْلٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ إنَّمَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا: إمَّا تَمْرًا، أَوْ بُرًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لأََنَّ فِيهِ نَهْيَهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعُوهُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِزِيَادَةٍ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَسْمِيَتُهُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُنَازِعُونَا فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ أُخْبِرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لاَ يُطْلِقُ اسْمَ " الطَّعَامِ " إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ. ثُمَّ لاَ يُمَارُونَنَا فِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَقْسُومِ هَذَا نَصُّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ يَقِينًا ضَرُورَةً، وَلاَ بُدَّ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ مَا يُرِيدُونَ أَنْ يُسَمُّوهُ طَعَامًا، إِلاَّ بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ يُنَازِعُونَ فِيهِ، وَهُمْ لاَ يَدْعُونَ مَعْرِفَةَ مَا كَانَ مِنْ صِنْفِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَيُمْكِنُهُمْ عِنْدَنَا أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُرًّا، وَلاَ تَمْرًا، وَلاَ شَعِيرًا، وَيَبْطُلُ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إنْ كَانَ بُرًّا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا؛ لأََنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّلاَثَةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ بِيَقِينٍ لاَ إمْكَانَ فِي سِوَاهُ. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَاسْتَدْرَكْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: وَأَنَا بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: أَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لاَ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ. فَقَدْ أَخْبَرَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَخْبَرَ عَنْهُ: أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ نَفْسُهُ. وَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ، وَمَرَّةً عَلَى مَا سَمِعَهُ وَأَيْضًا: فَإِنَّ حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَظَاهِرُهُ الأَنْقِطَاعُ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لاَ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ. قَالَ مُسْلِمٌ: وَنَاهُ أَيْضًا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، فَهَذَا هُوَ الْمُتَّصِلُ الصَّحِيحُ. وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ أَخْطَأَ فِيهِ مَرَّةً وَاسْتَدْرَكَ أُخْرَى، أَوْ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ، وَمَرَّةً كَمَا سَمِعَهُ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ بِسِتَّةِ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ فأما سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إِلاَّ مِثْلٌ بِمِثْلٍ فَهَذَا لاَ شَيْءَ؛ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ هُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَلَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ جُمْلَةً؛ لأََنَّهُمْ لاَ يَمْنَعُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي التَّمْرِ مَعَ غَيْرِ الْبُرِّ، وَلاَ يَقْتَصِرُونَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ بِالتَّمْرِ خَاصَّةً، كَمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَتَبَايَعُوا يَدًا بِيَدٍ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ يُرِيدُ التَّمْرَ بِالْقَمْحِ وَالتَّمْرَ بِالزَّبِيبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ، الْبُرُّ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبُ بِالشَّعِيرِ، وَكَرِهَهُ نَسِيئَةً، وَكَانَ يَكْرَهُ الطَّعَامَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ نَظْرَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مَا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ نَسِيئَةً. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ خِلاَفُهُ كَمَا نَذْكُرُ فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِمَنْعِهِ مِنْ النَّظْرَةِ فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الأَصْنَافِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لأََنَّهُ كَرَاهِيَةٌ لاَ تَحْرِيمٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِنَا أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لأََنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ، كَتَوْرِيثِ عُمَرَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ وَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَفِي أَنْ لاَ يُقْتَلُ أَحَدٌ قَوَدًا بِمَكَّةَ وَفِي أَنْ لاَ يَحُجَّ أَحَدٌ عَلَى بَعِيرٍ جِلاَلٍ وَفِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ رضي الله عنهما وَعَنْ عَطَاءٍ هَهُنَا إِلاَّ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ، لاَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَقْدُمُونَ عَلَيْهِ بِلاَ برهان أَصْلاً وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ سِتْرٌ مِنْ الْحَرَامِ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الرِّبَا أَضْعَافَ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إنَّا وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَأْمُرُكُمْ بِأُمُورٍ لاَ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَلَعَلَّنَا نَنْهَاكُمْ عَنْ أُمُورٍ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولاً لأَيَاتِ الرِّبَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يَرِيبُكُمْ إلَى مَا لاَ يَرِيبُكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: حَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَيِّنْ الرِّبَا الَّذِي تَوَعَّدَ فِيهِ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، وَاَلَّذِي أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِالْحَرْبِ، وَلَئِنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْهُ لِعُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ شَيْءٍ لِكُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ إذَا بَيَّنَهُ لِمَنْ يُبَلِّغُهُ فَقَدْ بَلَّغَ مَا لَزِمَهُ تَبْلِيغُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَرَكْنَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلاَلِ مَخَافَةَ الرِّبَا. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لاَ سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً، وَلاَ نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَقَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَصْنَافٍ: أَرْبَعَةً مَأْكُولَةً، وَاثْنَتَيْنِ هُمَا ثَمَنُ الأَشْيَاءِ، فَقِسْنَا عَلَى الْمَأْكُولَةِ كُلَّ مَأْكُولٍ، وَلَمْ نَقِسْ عَلَى الأَثْمَانِ شَيْئًا . فَقُلْنَا: هَذَا أَوَّلُ الْخَطَأِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلاً فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَدَعُوا الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ: دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَيْهِمَا، كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ، وَلاَ فَرْقَ، فَقِيسُوا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ مَوْزُونٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ كُلَّ مَعْدِنِيٍّ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَعَلَّلْتُمْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالتَّثْمِينِ. قلنا: هَذَا عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ؛ لأََنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهُوَ ثَمَنٌ صَحِيحٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِإِجْمَاعِكُمْ مَعَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الأَقْتِصَارُ بِالتَّثْمِينِ عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلاَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَهَذَا خَطَأٌ فِي غَايَةِ الْفُحْشِ، وَلاَزِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، لُزُومًا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَأَيْضًا: فَمَا الَّذِي جَعَلَ عِلَّتَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ عِلَّةِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ عَلَّلُوا الأَرْبَعَةَ الأَصْنَافِ بِالْكَيْلِ، وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ وَقَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ عليه السلام إِلاَّ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ هَهُنَا عِلَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام، بَلْ تَرَكَنَا فِي ضَلاَلٍ وَدِينٍ غَيْرِ تَامٍّ، وَوَكَّلَنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الَّتِي لاَ مَعْنَى لَهَا، هَذَا أَمْرٌ لاَ يَشُكُّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ جِنْسَيْنِ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَ الصِّنْفُ مَكِيلاً بِيعَ بِنَوْعِهِ كَيْلاً بِمِثْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلاَ النَّسِيئَةُ وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكِيلاَتِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلاَ النَّسِيئَةُ، وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ إِلاَّ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِمَا سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ نَسِيئَةً. وَجَائِزٌ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ مُتَفَاضِلاً وَمُتَمَاثِلاً نَقْدًا وَنَسِيئَةً، كَاللَّحْمِ بِالْبُرِّ، أَوْ كَالْعَسَلِ بِالتَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ بِالشَّعِيرِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رَغِبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِسَبَبِ انْتِقَاضِهَا عَلَيْهِمْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ، فَلَجَأَ إلَى أَنْ قَالَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ وُجُودُ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ، فَمَا زَادُونَا بِهَذَا إِلاَّ جُنُونًا وَكَذِبًا بِدَعْوَاهُمْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ: لاَ تَتَعَيَّنُ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَهُمْ تَتَعَيَّنُ، وَهُمْ يُجِيزُونَ تَسْلِيمَهُ فِيمَا يُوزَنُ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ السَّخِيفَةِ فِي إزَالَةِ تَنَاقُضِهِمْ. ثُمَّ أَتَوْا بِتَخَالِيطَ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ مَنْ بَغَى لِفَسَادِ عَقْلِهِ، قَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، إِلاَّ أَنَّ مِنْهَا مُخَالَفَتَهُمْ السُّنَّةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَنْ يَرَى الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ، فَأَجَازُوا التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ يَدًا بِيَدٍ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوا تَسْلِيمَ ثَلاَثِ حَبَّاتٍ مِنْ قَمْحٍ فِي حَبَّتَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ. قال أبو محمد: وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قَعْنَبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ: لاَ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ قَوْلٌ " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ تَمْرًا أَجْوَدَ مِنْ تَمْرِهِمْ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا فَقَالُوا: أَبْدَلْنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ، وَلاَ صَاعٌ بِصَاعَيْنِ وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا، عَلَى مَا نُبَيِّنُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو جَنَّابٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذِهِ السَّارِيَةِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ جِذْعُ نَخْلَةٍ: لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ الرِّبَا زَادَ بَعْضُهُمْ: فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالأَفْرَاسِ وَالنَّجِيبَ بِالْإِبِلِ، قَالَ: لاَ بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا رَوْحٌ أَنَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلُ صِدْقٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا مَا كَانَ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ، فَأَتَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ لَهُ: أَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ، حَتَّى مَتَى يَأْكُلُ النَّاسُ الرِّبَا أَوَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَا زَادَ فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَيْضًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأََبِي سَعِيدٍ: جَزَاكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، ذَكَّرْتَنِي أَمْرًا قَدْ كُنْتُ أُنْسِيتُهُ، فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَوْثَقُ، فَزَادَ فِيهِ بَيَانًا: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ مُوسَى، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْزُقُنَا تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ، فَنَسْتَبْدِلُ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ وَنَزِيدُ فِي السِّعْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَصْلُحُ هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَانِ بِدِرْهَمٍ، وَلاَ الدِّينَارُ بِدِينَارَيْنِ، وَلاَ الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ رِبًا. قال أبو محمد: فَقَوْلُهُ عليه السلام: لاَ يَصْلُحُ، هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ إشَارَةٌ إلَى التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ، لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً، بَدَأَ عليه السلام فَقَالَ: " لاَ يَصْلُح " مُشِيرًا إلَى فِعْلِهِمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلاَمَ فَقَالَ: " هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " فَ " هَذَا، ابْتِدَاءٌ، وَ " لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ خَبَرِ الأَبْتِدَاءِ وَانْتَصَبَ " صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " عَلَى التَّمْيِيزِ، وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ لَوْ قَالَ عليه السلام: لاَ يَصْلُحُ هَذَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلاَمَ بِقَوْلِهِ: لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي يَصْلُحُ الثَّانِيَةِ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى مَذْكُورٍ، أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ لَكَانَ لَحْنًا لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَلْحَنُ، وَلاَ يَحِلُّ إحَالَةُ لَفْظِ الْخَبَرِ مَا دَامَ يُوجَدُ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الَّذِي فِيهِ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَإِنَّهُمْ جَسَرُوا هَهُنَا عَلَى الْكَذِبِ الْبَحْتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَطَعُوا بِأَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لاَ يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِجِنْسِهِ، وَلاَ النَّسِيئَةُ، فَاقْتَصَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنْ قَالَ " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". قال أبو محمد: إنَّمَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيَانِ، وَأَمَّا بِالْإِشْكَالِ فِي الدِّينِ، وَالتَّلَبُّسِ فِي الشَّرِيعَةِ: فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ فِي التَّلْبِيسِ، وَالْإِشْكَالِ: أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرِّمَ كُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً أَوْ نَسِيئَةً، وَكُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً أَوْ نَسِيئَةً، فَيَقْتَصِرُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَتَفْصِيلِهِ لَنَا، عَلَى أَنْ يَقُولَ فِي التَّمْرِ الَّذِي اُشْتُرِيَ بِتَمْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ: لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ. وَمَا خَلَقَ اللَّهُ قَطُّ أَحَدًا يَفْهَمُ تِلْكَ الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ، وَلاَ رَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ هَذَا الْكَلاَمَ عَلَى تِلْكَ الْخُرَافَتَيْنِ. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ أَرَادَ تِلْكَ الشَّرِيعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ احْتَجُّوا لَهُمَا بِهَذَا الْكَلاَمِ، فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا الْكَلاَمِ، لَسُخِرَ مِنْهُ، وَلَمَا عَدَّهُ مَنْ يَسْمَعُهُ إِلاَّ أَلْكَنَ اللِّسَانِ، أَوْ مَاجِنًا مِنْ الْمُجَّانِ، أَوْ سَخِيفًا مِنْ النَّوْكَى. أَفَلاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِحِ الْمُوبِقَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُخْزِيَةِ فِي الْعَاجِلِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَوْلاً نَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِنْ مُخَالِفٍ وَمُؤَالَفٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ قَوْلٌ مُجْمَلٌ، مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَكِيلٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا خَبَرٌ اخْتَصَرَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَوْ وَهَمَ فِيهِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، أَوْ وَهَمَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ: الأَوْزَاعِيُّ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَلَيْسَ هِشَامٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، دُونَ مَعْمَرٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ هِشَامٌ أَحْفَظَ مِنْهُ. فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ وَحدثنا حمام أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ أَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلاَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَهَذَا هُوَ خَبَرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو نَفْسُهُ. قال أبو محمد: فَأَسْقَطَ مَعْمَرٌ ذِكْرَ التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ. وَمِنْ الْبَيَانِ الْوَاضِحِ عَلَى خَطَأِ مَعْمَرٍ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ: إيرَادُهُ اللَّحْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ: لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَوَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَيْءٍ، فَيَكُونُ ضَمِيرُهُ فِي " لاَ يَصْلُحُ " لاَ سِيَّمَا وَالأَوْزَاعِيُّ يَذْكُرُ سَمَاعَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَمَاعَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مَعْمَرٌ وَهَذَا لاَ يَكْدَحُ عِنْدَنَا شَيْئًا، إِلاَّ إذَا كَانَ خَبَرًا وَاحِدًا اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الَّذِي ذَكَرَ السَّمَاعَ أَوْلَى، لاَ سِيَّمَا مِمَّنْ ذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَفْظُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمَعْمَرٍ، بِلاَ زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلاَ بَيَانٍ مِنْ سِوَاهُمَا، لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلاَ جِنْسَيْنِ أَصْلاً، وَهُمْ يُجِيزُونَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعِ تَمْرٍ، وَبِكُلِّ مَا لَيْسَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا خِلاَفُ عُمُومِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: فَسَّرَ هَذَا أَخْبَارٌ أُخَرُ. قلنا: وَكَذَلِكَ فَسَّرَتْ أَخْبَارٌ أُخَرُ مَا أَجْمَلَهُ مَعْمَرٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ هَذَا فِي الْقَرْضِ لاَ فِي الْبَيْعِ، نَعَمْ، لاَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ صَاعَانِ بِصَاعٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلاَ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ قلنا: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَصْنَافِ الَّتِي سَمَّى فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي آخِرِهِ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ عليه السلام قَوْلٌ بِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى لَفْظَةِ " لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا، فَقَالُوا هُمْ: فِي كُلِّ مَكِيلٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقُلْنَا نَحْنُ: هُوَ فِي الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَدَعْوَى كَدَعْوَى. وَبُرْهَانُنَا نَحْنُ: صِحَّةُ النَّصِّ عَلَى قَوْلِنَا، وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ بِلاَ برهان فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَاقِطٌ؛ لأََنَّهُ عَنْ أَبِي جُنَابٍ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَضَعُفَ، وَذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ، ثُمَّ هُوَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ جُمْلَةً فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُمُومَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ؛ لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ كَمَا أَوْرَدْنَا، لَمْ يَسْمَعْهُ، لاَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَلاَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَابَ وَرَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْبَاطِلُ وَقَوْلُ مَنْ بَلَغَهُ خَبَرٌ لَمْ يَشْهَدْهُ، وَلاَ أَخَذَهُ عَنْ ثِقَةٍ. وَقَدْ رَوَى رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَبُو الْجَوْزَاءِ رَوَاهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّبَعِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَرَوَى عَنْهُ طَاوُوس مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ. وَرَوَى الثِّقَةُ الْمُخْتَصُّ بِهِ خِلاَفَ هَذَا: كَمَا حَدَّثَنَا حمام أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي هَاشِمٍ أَنَا أَبُو بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ الرِّبَا قَطُّ فِي هَاءٍ وَهَاتٍ. وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ انْسَنَدَ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَزٍ الْمَذْكُورُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأََنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ " وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي سَعِيدٍ لَوْ صَحَّ. وَهُوَ أَيْضًا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ؛ لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ: نَافِعٌ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ، وَأَبُو نَضْرَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّصِلُ الأَسَانِيدِ بِالثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ إلَيْهِمْ، لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَفْسِهِ؛ لأََنَّهُ لَمَّا تَمَّ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: ثُمَّ قَالَ فَابْتَدَأَ الْكَلاَمَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذِكْرِ " وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " مَفْصُولاً عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي مِجْلَزٍ وَهُوَ الأَظْهَرُ فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلاَمٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. قال أبو محمد ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ، وَلاَ أَثَرٌ، وَخِلاَفُهُمْ لِيَقِينِ مَا فِيهِ مَنْسُوبًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ. فَقَالُوا هُمْ جِهَارًا: نَعَمْ، وَيَجُوزُ غَيْرُ عَيْنٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَيَجُوزُ عَيْنٌ بِغَيْرِ عَيْنٍ، نَعَمْ، يَجُوزُ تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَبِأَكْثَرَ، فَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَضَائِحُ أَوْ يَبْقَى مَعَ هَذَا دِينٌ أَوْ حَيَاءٌ مِنْ عَارٍ أَوْ خَوْفِ نَارٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَالدَّمَارِ. قال أبو محمد: وَمِمَّا يَبِينُ غَايَةَ الْبَيَانِ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ نَعْنِي وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ وَهُوَ أَيْضًا مُبْطِلٌ لِعِلَّتِهِمْ بِالْوَزْنِ، وَالْكَيْلِ، مِنْ طَرِيقِ ضَرُورَةِ الْحِسِّ، وَبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَصَادِقِ النَّظَرِ، فَإِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَجْعَلُ عِلَّةَ الْحَرَامِ فِي الرِّبَا: الْوَزْنَ، وَالْكَيْلَ، وَالتَّفَاضُلَ فِيهِ، وَبَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ، وَهُوَ عليه السلام يَدْرِي، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ: أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الْبِلاَدِ أَشَدَّ اخْتِلاَفٍ، فَمَا يُوزَنُ فِي بَلْدَةٍ يُكَالُ فِي أُخْرَى: كَالْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، يُبَاعُ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَزْنًا، وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالأَنْدَلُسِ إِلاَّ كَيْلاً. وَيُبَاعُ السَّمْنُ وَالدَّقِيقُ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ كَيْلاً، وَلاَ يُبَاعُ عِنْدَنَا إِلاَّ وَزْنًا، وَالتِّينُ يُبَاعُ بَرِّيَّةَ كَيْلاً، وَلاَ يُبَاعُ بِإِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ إِلاَّ وَزْنًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَشْيَاءِ. وَلاَ سُبُلَ إلَى أَنْ يُعْرَفَ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلاً، فَحَصَلَ الرِّبَا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى يُجْتَنَبَ، وَلاَ مَا لَيْسَ هُوَ فَيُسْتَعْمَلَ وَصَارَ الْحَرَامُ وَالْحَلاَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْشَاجًا مُخْتَلِطَيْنِ لاَ يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا أَبَدًا. وَحَصَلَتْ الأَنْوَاعُ الْمَبِيعَةُ كُلُّهَا الَّتِي يُدْخِلُونَ فِيهَا الرِّبَا لاَ يَدْرُونَ كَيْفَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهَا، وَلاَ كَيْفَ يَسْلَمُ مِنْهُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دِينٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، هَيْهَاتَ أَيْنَ هَذَا الْقَوْلُ الْكَاذِبُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّادِقِ: قال أبو محمد: وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَلاَ يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الآخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا فِيمَا يُكَالُ يَدًا بِيَدٍ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالاَ جَمِيعًا: سَلِّفْ مَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ، وَلاَ يُكَالُ، وَسَلِّفْ مَا يُوزَنُ، وَلاَ يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ يُكَالُ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يُوزَنُ فَمِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُكَالُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ. فأما الرِّوَايَةُ عَنْ مَعْمَرٍ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَعَنْ الْحَسَنِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ: فَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِهِمْ، لَكِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِهِ؛ لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو قَوْلُهُ: إِلاَّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا، أَوْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا قَالَ: إنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا، فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عَيْنًا، وَمُوجِبٌ أَنَّهُ لاَ رِبَا إِلاَّ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فِي النَّسِيئَةِ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا لاَ بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ، فَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ وَمُوجِبُ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا كِيلَ بِمَا وُزِنَ يَدًا بِيَدٍ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادُوهَا فَلاَ يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الآخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عِيَانًا بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، فَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الآخَرِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةُ التَّفَاضُلِ فِيمَا يُكَالُ، وَلاَ يُوَافِقُهُ سَائِرُ أَقْوَالِهِمْ، وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ إِلاَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ فَقَطْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَكِيلٍ، وَمَوْزُونٍ. قلنا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَأْكُولٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَمَعْدِنِيٍّ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ. أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَا يُزَكَّى وَعَلَى مَالِحِ الطَّعْمِ فَقَطْ أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى نَبَاتٍ، وَمَعْدِنِيٍّ، وَجَامِدٍ فَأَدْخَلَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يَنْبُتُ كَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَسْقَطَهُ عَنْ اللَّبَنِ وَمَا يَتَصَرَّفُ مِنْهُ، وَعَنْ الْعَسَلِ، وَاللَّحْمِ، وَالسَّمَكِ، فَلَيْسَ بَعْضُ هَذِهِ الدَّعَاوَى أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَكُلُّ هَذَا إذَا تَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا مُرَادَهُ، وَحَاشَ لَهُ أَنْ يَكِلَنَا فِي أَصْعَبِ الأَشْيَاءِ مِنْ الرِّبَا الْمُتَوَعَّدِ فِيهِ بِنَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ وَالْحَرْبِ بِهِ فِي الدُّنْيَا إلَى هَذِهِ الْكَهَانَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالظُّنُونِ الآفِكَةِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَنَحْمَدُ اللَّهُ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَعَهِدْنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَدِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ وَغَيْرُ مُوقِنِينَ بِوُجُوبِ قَطْعِهَا فِي أَقَلَّ، وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِتَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَلَمْ نُوقِنْ بِتَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِالْقَصْرِ فِي ثَلاَثٍ، وَلاَ نُوقِنُ بِهِ فِي أَقَلَّ، فَلاَ نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لاَ نُوقِنُهُ. فَهَلاَّ قَالُوا هَهُنَا: نَحْنُ مُوقِنُونَ بِالرِّبَا فِي الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، فَلاَ نَقُولُ بِهِ حَيْثُ لاَ يَقِينَ مَعَنَا فِيهِ وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا هَهُنَا وَتَرَكُوا هُنَالِكَ لَوُفِّقُوا لأََنَّهُمْ كَانُوا يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا عِلَّتَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ، فَأَجَازُوا تَسْلِيفَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فِيمَا يُكَالُ، وَمَا يُوزَنُ. وَأَجَازُوا بَيْعَ آنِيَةِ نُحَاسٍ بِآنِيَةِ نُحَاسٍ أَوْ وَزْنٍ مِنْهَا، وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ فِي دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ. ثُمَّ أَجَازُوا بَيْعَ قَمْحٍ بِعَيْنِهِ بِقَمْحٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، أَوْ تَمْرٍ بِعَيْنِهِ بِتَمْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَيُقْبَضُ الَّذِي بِغَيْرِ عَيْنِهِ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ قَبْلَ قَبْضِ الَّذِي بِعَيْنِهِ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ فِي ذَهَبٍ بِعَيْنِهِ بِذَهَبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَفِي فِضَّةٍ بِعَيْنِهَا بِفِضَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لاَ فِي نَصٍّ، وَلاَ فِي مَعْقُولٍ، فَأَبَاحُوا الرِّبَا جِهَارًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ فَبَطَلَتْ عِلَّةُ هَؤُلاَءِ، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ يَقِينًا.
|